انتشار الإسلام في الهند وشرقي آسيا وجنوب شرقيها
استولى محمد بن القاسم الثقفي في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي (75-95هـ) على الديبُل (كراتشي) سنة 89هـ، واختط للمسلمين مسجداً فيها وأنزلها أربعة آلاف من المسلمين، وبعد مقتل الملك داهر غلب محمد بن القاسم على بلاد السند كلها، واستطاع بحسن سياسته وقدرته على تدبير أمور الحكم أن يتألف قلوب أهلها حتى إنهم بكوا عليه حينما حُمل مقيّداً إلى العراق سنة 96هـ، وحُبس في واسط في خلافة سليمان بن عبد الملك.
كان من الطبيعي بعد ما جرى لهذا الفاتح أن تثور القلاقل في البلاد المفتوحة، مما اضطر والي السند إلى خوض الحرب من جديد لاسترداد ما فتحه محمد بن القاسم من قبل، فلما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز (99-101هـ) كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام على أن يملكهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم عدد منهم وتسموا بأسماء عربية.
ومع أن المسلمين أُخرجوا من الهند في ولاية تميم بن زيد القيني في خلافة هشام بن عبد الملك (105-125هـ) فإن فضل غرس الإسلام في تلك المنطقة يعود إلى هذه الحقبة من التاريخ. ولكن فتح المسلمين الهند لم ينطلق من السند وإنما بدأ من أفغانستان، وكانت أول دولة إسلامية شبه مستقلة تألفت في كابل هي تلك التي أنشأها يعقوب بن ليث الصفّار في سجستان، ثم حل بعد هذه الدولة ولاة للسامانيين ومنهم ألب تكين الذي وضع أساس الدولة الأفغانية الإسلامية المستقلة الأولى في غزنة التي أصبحت عاصمة لدولة عظمى هي الدولة الغزنوية (579-351هـ/ 1183-962)، وكانت زحوف الغزنويين على الهند واستقرارهم في لاهور بداية تأسيس حكومة إسلامية قوية فيها، وفي عهد الغوريين (543-612هـ/ 1148- 1215م) قام محمد الغوري بنفسه وبوساطة قادته بحملات مكنتهم من فتح شمالي الهند حتى مصب الغانج، ونصب مملوكه قطب الدين أيبك والياً عاماً على دهلي (دلهي اليوم)، فلما مات محمد الغوري سنة 602هـ/ 1206م أعلن مملوكه قطب الدين نفسه حاكماً على الهند، فكانت دولته أول دولة إسلامية حكمت في الهند فقط، وهي أول خمس دول إسلامية حكمت أجزاء واسعة من الهند قبل أن يسيطر عليها أبو الفتوح جلال الدين محمد شاه أكبر سنة 944هـ/ 1537 ويقيم سلطنة من السلالة التيمورية، سمّاها الأوربيون امبراطورية المغول العظام، وعاشت حتى القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي.
من الهند أخذ الإسلام يتجه شرقاً في الملايو والهند الصينية ويدخل إلى الأرخبيل الإندونيسي من الجهة الشمالية الغربية من سومطرة (مملكة أتجة 920-1321هـ/ 154-1903م) والمناطق الساحلية من جاوة. وكان ذلك على يد التجار المسلمين ولاسيما تجار الهند الكجراتيين والعرب والعجم، ثم أخذ في الانتشار باتجاه شرق الأرخبيل ووسطه، واعتنقه بعض حكام البلاد، كما حدث في سلطنة ديماك Demak التي كان سلطانها أول من اعتنق الإسلام من راجاوات إندونيسية، وكان له فضل نشر الإسلام في جاوة حتى غدا أكثر حكامها في القرن الثامن للهجرة (14م) من المسلمين، وكان ذلك السبب المباشر في سقوط امبراطورية الماجابهيت بين عامي 1512-1520م.
وبما أن الثقافتين البراهمانية والبوذية دخلتا الأرخبيل عن طريق الهند وكان لهما تأثير عظيم في سكانه، فقد بدا الإندونيسيون أكثر تقبلاً للإسلام القادم من الهند أيضاً، وساعدت على اتساع انتشار الإسلام في جزر الأرخبيل باستثناء جزيرة بالي عوامل عدة، من بينها انتشاره سلماً عن طريق التجار المسلمين والبعثات الدينية وزواج الكثير منهم من نساء البلاد، وتحسن أوضاع السكان المحليين باعتناقهم دين المسلمين من أصحاب النفوذ، وسماحة الإسلام، وجشع المستعمرين الغربيين، والمنافسة التجارية والسياسية بينهم، وسوء معاملتهم أهل البلاد، مما دفع هؤلاء إلى تفضيل الإسلام على المسيحية دين المستعمر الأوربي.
ومنذ أن أصبحت مَلَقة في أرخبيل الملايو سلطنة إسلامية (1511-1414م) استطاعت أن تفرض نفوذها على جانبي المضيق المسمى باسمها وتنشره بعيداً في المناطق الجنوبية الشرقية، وارتبط انتشار الإسلام هناك بتوسع سلطنة ملقة مع حكم مظفر شاه (864-850هـ/ 1459-1446م). وانتقل الإسلام من ملقة إلى جزيرة سليبس (سلاويسي اليوم) فأسلم سكانها من البوغيين في القرن السابع عشر، وهم شعب محارب مشهور بمهارته في البحار، وبلغت مراكب صيدهم سواحل أسترالية وغينية الجديدة، وكانت لهم أيام جهاد في مواجهة البرتغاليين.
أما الفيليبين فقد بدأ دخول الإسلام إليها عن طريق التجار في القرن الخامس عشر الميلادي، وكان أول دخوله إلى جزيرة مندناو Mindanao وجزر السولو Sulu عن طريق بروني Brunei، ثم انتشر شمالاً إلى مانيلة، بيد أن وصول الكشوف الأوربية التي بدأت ببعثة ماجلان سنة 1521 ثم احتلال الإسبان سواحل بلاوان (الفيليبين) بالقوة سنة 1565م وإكراه السكان على اعتناق الكاثوليكية بالقوة حيناً وبالتبشير أحياناً، حال دون انتشار الإسلام في بقية الأرخبيل باستثناء بلاد المورو (مندناو) وأرخبيل السولو في الجنوب الغربي من الفيليبين التي لم تخضع للإسبان إطلاقاً.