Admin Admin
المساهمات : 185 تاريخ التسجيل : 16/02/2011
| موضوع: التعليم الإسلامي في الصين الإثنين أبريل 25, 2011 8:52 am | |
| عُثر في بعض مساجد الصين على مجموعات قيمة من الوثائق والمخطوطات الإسلامية النادرة، التي تناولت أمور الدعوة والتعليم في الصين، وقد قام مجموعة من علماء الإسلام والباحثين بدراسة هذه الوثائق والمخطوطات وتحقيقها والكشف عما تضمنته من معلومات سلّطت دوائر الضوء على كثير من الأمور، من هؤلاء الباحثين: الشيخ "محمود يوسف هواين" والشيخ "محمد تواضع يانج شي شيان" والشيخ "يونس شين"، وغيرهم من علماء الصين المسلمين.
وقد تضمنت الوثائق أسماء روّاد التعليم الإسلامي في الصين، ودورهم الريادي في نشر المعارف الإسلامية الصحيحة، وتنقية الفكر الإسلامي من الشوائب والخرافات التي علقت به، وقد كشفت الدراسات أن علماء الإسلام في الصين كانت لهم مبادرات إيجابية في تجديد الخطاب الديني منذ وقت مبكر.
ونتناول في هذه السطور أهم ما كشفت عنه الدراسات التي أُجريت على الوثائق والمخطوطات الإسلامية التي عُثر عليها في المساجد الصينية: أشارت الدراسة التي أعدها الشيخ "محمود يوسف هواين" أنه منذ دخول الإسلام إلى الصين، كان أغلب أئمة المسلمين في الصين قادمين من بلاد العرب، إلى جانب عدد من طلاب العلم الإسلامي من الصينيين الذين درسوا علوم الإسلام واللغة العربية على يد علماء الإسلام بالدول العربية والإسلامية، إلا أن هناك عددًا من علماء الإسلام الصينيين الذين تفرّغوا للدراسة، وتأليف الكتب في مختلف المعارف والعلوم الإسلامية، منهم الشيخ "هو دنج تشو"، والشيخ "وانج واي بوي"، والشيخ "تشانج تشونج"، الذين تحدثت عنهم الوثائق والمدوّنات التي عُثر عليها هناك في خزائن المساجد الصينية.
جيل الروّاد: تحدثت الوثائق الصينية عن جيل الروّاد في مجال التعليم الإسلامي، فالشيخ "هو دنج تشو" 1522 - 1597 ميلادية، هو أول من دعا إلى التعليم بالمساجد وقد أطلق الصينيون علية لقب "شيخ المشايخ" لما قدّمه من جهود إيجابية في نشر التعليم الإسلامي، كما حرص تلاميذه على تسجيل سيرته ومآثره في كتابات نُقشت على الصخر.
تشير الكتابات التي عُثر عليها هناك، أن تعاليم الإسلام في الصين - بسبب افتقار الدعوة إلى الدعاة النابهين - قد تعرّضت للأخطاء والخرافات، وقد قام الشيخ "هو دنج تشو" بتنقية الفكر الإسلامي من الشوائب التي علقت به في فترات الجهل لعدة قرون.
وقد برز من تلاميذ هذا الشيخ الصيني دعاة ساهموا بدورهم في نشر المعارف الإسلامية الصحيحة منهم: الشيخ "قنج" والشيخ "هاي" مما أنعش مسيرة الفكر الإسلامي الصحيح من جديد بين المسلمين في الصين.
ترجمة الكتب الإسلامية: وتشير الدراسات إلى أن الشيخ "هو دنج تشو" قام بترجمة العديد من الكتب الإسلامية إلى اللغة الصينية، وقد أدت هذه الترجمات إلى إعادة وعي المسلمين بأحكام دينهم الإسلامي الحنيف؛ حيث توافد على هذا الشيخ طلاب العلم الإسلامي من مختلف المدن والقرى الصينية، وقد نقل الدارسون عنه المفاهيم الإسلامية الصحيحة ونشروها في مقاطعاتهم، حتى تم القضاء على الخرافات والأخطاء التي علقت بالفكر الإسلامي لفترة طويلة.
وتشير الدراسات إلى أن الشيخ "هو دنج تشو" قد وضع معايير خمسة لكل من يطلب الانضمام إلى حلقاته التعليمية، من أهمها: التعمّق في دراسة الدين الإسلامي - استيعاب الدروس ببراعة تامة - التحلي بالأخلاق الحميدة - القيام بنشر الدعوة الإسلامية - أن يقبل الطالب حياة التقشف والبعد عن الرفاهية المفرطة.
وبالرغم من هذه الشروط القاسية فقد توافد إليه طلاب العلم، حتى ضاقت بهم مدرسته فنقلها إلى أحد المساجد الكبرى، بعدها انتشرت المدارس في كافة مساجد الصين التي اتبعت نظام "شيخ المشايخ" في الدراسة، وهكذا تحوّلت المساجد إلى مراكز لنشر العلم بالإضافة إلى كونها دور عبادة.
ازدهار دعوي وتعليمي: لقد ازدهر التعليم الإسلامي والعربي في الصين بسبب الجهود التي بذلها الشيخ "هو" وتلاميذه ومنهم الشيخ " فنج" والشيخ "هاي"، وقد اهتم المسلمون في الصين بالتأريخ لهذه المدارس التي شهدت ازدهارًا كبيرًا، فتم وضع جداول تضم أسماء التلاميذ الذين درسوا في هذه المدارس حتى الجيل الرابع.
فقد عُثر على هذه الجداول - ضمن الوثائق التاريخية التي عُثر عليها بمساجد الصين - كما أشار الشيخ "محمد تواضع" العثور على كشوف بأسماء الذين تخرجوا في هذه المدارس، ويرى المؤرخون الصينيون أن هذه الجداول والكشوف لها قيمتها التاريخية الهامة.
مراحل التعليم الإسلامي: أشارت الوثائق الصينية إلى أن التعليم بالمساجد قد انقسم إلى مدرستين: "مدرسة شن شي" ومدرسة "شاندونج"، وكان للشيخ "تشو لا ويه" تأثير أكبر من غيره في مدرسة "شن شي" بينما لم يلق الشيخ "تشانج تشه موي" نفس المكانة في مدرسته "شاندونج".
وتقول الدراسات: إن الفرق بين المدرستين يتمثّل في اختلاف أسلوبهما التعليمي، ويعدون مدرسة "شن شي" أنها منبع التعليم المسجدي بينما تفرّعت عنها مدرسة "شانتونج"، فمدرسة "شن شي" كانت تهتم اهتمامًا كبيرًا بعلم "التوحيد"، حتى إن دراسة كتاب "عقائد النفس" في هذه المدرسة غالبًا ما كانت تستغرق عدة سنوات قد تمتد إلى اثنتي عشرة سنة في بعض الأحيان.
ونتيجة لذلك – كما تقول الدراسات الصينية – ظهر التخصص في العلوم الإسلامية، لصعوبة استيعاب الطلاب لعلوم الدين بصورة شاملة في ظل هذا المنهج التعليمي، فكل دارس يركّز اهتمامه لدراسة قسم أو قسمين في نواحي التخصص، وكان هذا المنهج مُتبعًا في جميع المدارس في العديد من المقاطعات الصينية.
وقد تخرّج في هذه المدارس العديد من العلماء الذين برعوا في أداء رسالتهم الدعوية والتعليمية، منهم الشيخ "شين"- العالم الصيني المشهور - والشيخ " بانج تاي جنج" والشيخ "ما تشانج" والشيخ "ما ليانج جيون" والشيخ "لان يوه جيون"، وغيرهم من العلماء الذين ذاعت شهرتهم في كافة أنحاء المقاطعات الصينية ودول التركستان أما مدرسة "شانتونج" فكانت تدعو إلى سعة الاطلاع واستيعاب علوم الدين الإسلامي بصورة شاملة، والتدريس فيها باللغتين العربية والفارسية في آن واحد؛ فقد جاء في الدراسة التي أعدها الشيخ "جين جي تانغ" أن مؤسس هذه المدرسة هو الشيخ " تشانج تشه موي" من سمرقند، وقد وصل إلى الصين، وهو في التاسعة من عمره، وتتلمذ على يد الشيخ "هو" حتى أصبح متبحّرًا في علوم الدين الإسلامي ومُتقنًا للغتين العربية والفارسية، وأصبح من علماء التجديد، وكان لمدرسته أثر كبير في تجديد الفكر الإسلامي، وبرز في عصره أكثر من مائة عالم إسلامي اهتموا بتجديد الخطاب الديني وتجديد مناهج التعليم الإسلامي.
علماء التجديد: تشير الدراسة التي أعدها الشيخ "فو نو نغ شيان" أن الشيخ "يون شان" كان عالمًا مرموقًا في غربي الصين، حيث قام بتفسير القرآن الكريم آية آية بطريقة صحيحة وبأسلوب سهل يفهمه الجميع – وقد عُرف هذا الشيخ باسم "شه شن يون"، ونسب علماء الإسلام إليه قيامه بترشيد وتجديد (18) عملية لا تتفق مع الشريعة الإسلامية، تسرّبت إلى الفكر الإسلامي بسبب الجهل الذي ساد بين المسلمين فترة من الزمن.
ومن عمليات التجديد التي قام بها هذا الشيخ، طرق ترتيل القرآن الكريم وطرق أداء الصلوات وعادات المسلمين في حفلات الزفاف والجنائز وغيرها، وقد أطلق العلماء عليه لقب "رائد التجديد على ضوء الكتاب والسنة النبوية".
أنواع المدارس: اتفق المؤرخون الصينيون، على تقسيم الدراسات الإسلامية بالصين إلى ثلاثة أنواع من المراحل الدراسية هي: المرحلة الابتدائية – المرحلة المتوسطة – المرحلة العالية، ويُطلق عليها "عالية" تجاوزًا، والأمر الذي يلفت النظر أن عدد طلاب المرحلة الابتدائية كان أكثر بكثير من المراحل الدراسية الأخرى، ويعود السبب في ذلك إلى تسرّب عدد كبير من الدارسين، لعدم ضمان مستقبل الذين يتخرجون في هذه المدارس.
وتشتمل المواد الدراسية بالمرحلة الابتدائية على تعليم مبادئ اللغة العربية وحفظ بعض قصار السور القرآنية، ومدة الدراسة لا تقل عن عامين، أما في المراحل الدراسية المتوسطة، فتضم علوم الصرف والنحو والبلاغة العربية، وبسبب كثرة المواد الدراسية وصعوبة استيعاب اللغة العربية، فقد تسرب عدد كبير من الدارسين بهذه المرحلة الدراسية أيضًا.
لقد دعم المسلمون في الصين هذه المدارس، حيث كان يُصرف لكل دارس مبلغ من المال.
وتشتمل المواد الدراسية بالمرحلة العالية، على علوم الفقه والتفسير والتوحيد، وكانت هناك مدارس لتعليم اللغة الفارسية، وتبلغ سنوات الدراسة في هذه المرحلة من عشر سنوات إلى عشرين سنة.
وقد أتاحت المدارس العالية لطلابها، القيام بمهمة التدريس بالمرحلتين الابتدائية والمتوسطة – تحت إشراف العلماء – لإتاحة الفرصة لهم للتدريب على التدريس والخطابة.
اقتصاديات التعليم الإسلامي: تشير الدراسات الصينية، أن المدارس الإسلامية التي أُلحقت بالمساجد، قد مرت بظروف اقتصادية صعبة، لذا فقد طبقت هذه المدارس نظام الجمع بين العمل والدراسة لتوفير سبل الإعاشة للطلاب، فقد قام الشيخ "ما" بشراء طاحونة مما أتاح لطلاب العلم أن يدرسوا في نصف اليوم ويطحنوا الحبوب في النصف الآخر للتغلب على مشكلة الإعاشة.
وبعد فترة من انتشار هذا النوع من التعليم، تم تطبيق نظام التمويل - بدلًا من نظام الجمع بين الدراسة والعمل - وذلك من التبرعات ومن ريع الأوقاف الإسلامية التي رُصدت لدعم التعليم الإسلامي، كما حرصت الأسر المسلمة على توفير الطعام لطلاب المدارس الإسلامية بصورة مستمرة.
من مذكرات عالم: يحكي الشيخ "وانج جينج تشاي" - أحد علماء الإسلام في الصين، تجربته في المدارس الإسلامية التي استمرت الدراسة فيها (50) عامًا فيقول في مذكراته: "في سنة 1903 ميلادية بدأت أتتلمذ علي يد الشيخ "هاي شي فو" الذي يُعد أول من دعا إلى تجديد العادات على ضوء الكتاب والسنّة، وقد أمضيت سنتين في مدرسته، عانيت خلالها من الشدائد والمشقات الكبيرة.
وأضاف في مذكراته: كانت حجرات الطلاب خالية من أي تدفئة، وكنت أرتجف من شدة البرد وتجمد المياه.
إعداد الدعاة: احتاج إعداد الدعاة في الصين إلى جهود كبيرة، حيث لا يتخرّج الداعية إلا من يستطيع أن يؤدي رسالته على الوجه الأكمل، والمعيار في هذا الشأن هو موافقة الأساتذة الذين يقيمون حفلات التخرج لمن يستحقها، وقد تخرّج في هذه المدارس عدد من العلماء الذين وضعوا العديد من المؤلفات في مجالي الدعوة والتعليم والإفتاء.
لقد تطورت الدراسة بالمساجد، حيث تقرر تدريس علوم الإسلام باللغة الصينية بالإضافة إلى اللغتين العربية والفارسية، وقد أدى ذلك إلى زيادة أعداد الدارسين، وإلى ترجمة العديد من الكتب الدينية إلى اللغة الصينية.
وأول من قام بإنشاء المدارس الإسلامية النظامية الحديثة بالصين، هو الشيخ "وانج هاو ران" الذي أدى فريضة الحج وحصل من الحجاز على العديد من الكتب الدينية، وبعد عودته أسس أول مدرسة إسلامية حديثة في عام 1907 ميلادية، ثم أعقبها مدرسة أخرى في العام التالي.
ويُعد الشيخ "وانج هاو ران" هو رائد التعليم المسجدي في الصين، حتى ساد التعليم الإسلامي الحديث سائر المدن والقرى الصينية، فتأسست المدرسة الإسلامية التي أسسها الشيخ "يانج تش نج مينج" عام 1910 ميلادية، والمدرسة الإسلامية للمعلمين التي أسسها الشيخ "ما سو نج نينج" في عام 1925 ميلادية.
وتوالى إنشاء المدارس الإسلامية الحديثة في بكين العاصمة، وفي أغلب المناطق، وأوفدت هذه المدارس خمسين من المتخرجين فيها لاستكمال دراساتهم بالأزهر، واتضحت معالم هوية التعليم الإسلامي بالصين، فتم إنشاء المعاهد الإسلامية اعتبارًا من عام 1982 ميلادية، ويجري الآن تطوير هذه المعاهد إلى جامعات إسلامية.
| |
|